بسم الله الرحمن الرحيم
الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي
نحن الذين تعانقـت أيدينا في هذه الحياة الدنيا على الزناد ... وغداً ستتعانق أرواحنا في رحاب الله إن شاء الله
هل كنت عصياً على الموت !!
حين ظننا بأنك بعيداً عنه ، كان هو أقرب إليك من حبل الوريد ..
كنت تقول دائماً : إن المرء يمكن أن يموت بالسرطان ، أو لأي سبب آخر ، وانك اذا خيرت فانك تفضل ان يكون موتك بالأباتشي ، هل حققت أمنيتك أيها المتماوت ومدعي الموت ؟؟!
سمعناك ذات مرة تقول لصحفي عربي بأن لا أحد يستطيع اغتيالك إلا إذا أراد الله ذلك ، وقد أراد الله كما حلمت أنت ، أن تصطفى مع من اصطفوا عبر مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني ، وأن تغدق روحك على قلوبنا عطوراً وزنابق ، وان يتدفق نهر الدم الزكي في طرقات نابلس وغزة وجنين ، وان يزركش دمك حجارة القدس العتيقة .
القائد والإنسان :
ما زال سكان القبائل البدوية التي تسكن قرية " القرارة " الواقعة جنوب شرق قطاع غزة ، يذكرون ذلك الطبيب الشاب ، الذي كان يفد إليهم أواسط السبعينات ، قاطعاً عدة كيلو مترات مشياً على الأقدام ، وهو يحمل حقيبته لكي يقوم بحملات ختان للأطفال مجاناً في هذه المنطقة النائية نسبياً .
كان الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي يقوم بمثل هذه الأنشطة الخيرية في العديد من القرى والتجمعات الزراعية الفلسطينية التي تلف مدينة خانيونس .
العيش في ظل فقر مدقع :
ولد الرنتيسي في الثالث والعشرين من شهر تشرين الأول / أكتوبر عام 1947م ،في قرية " يبنا " الواقعة إلى الشرق من مدينة يافا ، وقبل أن يبلغ من العمر عاماً واحداً ، طردت العصابات الصهيونية الطفل عبدالعزيز مع عائلته إلى قطاع غزة ، لتستقر هذه العائلة في معسكر خانيونس الواقع غرب مدينة خانيونس .
كان للرنتيسي ثمانية من الأخوة من الذكور ، وأختان ، وكان والد الرنتيسي مزواجاً ، حيث تزوج في حياته سبعاً من النساء ، الأمر الذي فاقم أوضاع الأسرة المادية سوءاً وتدهوراً ، وكانت الأسرة تعتاش على ما تقدمه وكالة الغوث .
توفي والده بينما كان في الصف الثاني الإعدادي ، الأمر الذي اضطر شقيقه الأكبر للسفر إلى السعودية للعمل من أجل إعالة العائلة .
الظروف التي رافقت سفر الشقيق الأكبر تكشف إلى أي حد كانت الأسرة معدمة . حيث يقول الرنتيسي انه كان يملك حذاءاً واحداً مستخدماً اشتراه من سوق المخيم ، وعندما هم شقيقه بالسفر لم يكن لديه حذاء ، فاضطر عبدالعزيز أن يعطي شقيقه الحذاء وعاد إلى البيت حافي القدمين .
الحياة الصعبة التي عاشها ، دفعته للتعلق بالعلم ، وبالفعل تفوق في المرحلة الثانوية ، وفي صيف 1965م كان واحداً من العشرة الأوائل في القسم العلمي على مستوى قطاع غزة ، الأمر الذي أهله لكي يحصل على منحة دراسية من وكالة الغوث ، لكي يدرس الطب في مصر ، وفي عام 1970 حصل على بكالوريوس طب عام ، وبعد ذلك عاد ليحصل على الماجستير في طب الأطفال . وفي أثناء الإعداد للماجستير يقول الرنتيسي انه تأثر باثنين من شيوخ حركة الإخوان المسلمين ،هما الشيخ محمد عيد والشيخ المحلاوي ، حيث كانا يخطبان في مسجدي " السلام " و " وإبراهيم باشا " .
إعجاب الرنتيسي بهذين الشخصين خصوصاً ، كان يمكن أن يعطي لمحة عن شخصية هذا الرجل فيما بعد ، فهذان الشخصان كانا ينتهجان نهجاً صداميا مع الرئيس المصري السابق أنور السادات ، ويؤكد أن الشيخ محمد عيد ترك تأثيراً هائلا في نفسه ، لدرجة انه عزم على تقليد أسلوبه ، لكن في مواجهة الاحتلال .
وبالفعل خاض الرنتيسي كرئيس لجمعية الأطباء " نقابة الأطباء " أول عصيان مدني ضد الاحتلال الصهيوني عام 1981م ، عندما قاد حملة لرفض دفع الضرائب للاحتلال ، حيث فرضت سلطات الاحتلال الإقامة الجبرية علية ، وبعدها قامت باعتقاله .
العمل السياسي ...
ودوره في تأسيس حركة حماس :
انضم عبدالعزيز الرنتيسي لحركة الإخوان المسلمين أثناء دراسته للطب في مصر ، حيث قام الرنتيسي بعدة نشاطات خيرية ضمن نشاطه في جماعة الإخوان المسلمين .
في أواخر عام 1987م ، عندما تفجرت الانتفاضة الفلسطينية الأولى ، كان الرنتيسي مسؤولا عن جماعة الإخوان المسلمين في منطقة خانيونس ، في ذلك الوقت اجتمع عدد من قادة الجماعة في القطاع ، وهم الشيخ أحمد ياسين وأبو أسامه دخان ومحمد شمعه وإبراهيم اليازوري وصلاح شحاده وعيسى النشار وعبدالعزيز الرنتيسي ، وفي هذا الاجتماع تقرر أن تخوض الجماعة غمار الانتفاضة تحت اسم حركة المقاومة الإسلامية " حماس " ، وكان الرنتيسي قد صاغ أول بيان باسم الحركة الوليدة .
وبانخراطه كعضو مؤسس في حركة حماس ، تعرض الرنتيسي للاعتقال خمس مرات ، ولمدة سبع سنوات في " سجون الاحتلال " وبالإضافة لإبعاده إلى مرج الزهور عام 1992م .
في مرج الزهور .. أداء منقطع النظير :
في مرج الزهور برز الرنتيسي كناطق رسمي باسم المبعدين ، وهناك كانت المعجزات والتضحيات الفلسطينية تتحقق ، في البداية قام المبعدون بتقسيم أنفسهم إلى لجان مختلفة لتسيير أمورهم ، فتم تشكيل لجنة إعلامية ، ولجنة ثقافية ، ولجنة صحية ، ولجنة علاقات خارجية ، لجنة تموين ، ولجنة اجتماعية ، ولجنة ثقافية ، ولجنة أمنية ، وعمل مركز إعلامي للمبعدين يتم فيه عقد مؤتمر صحفي يومي مع وسائل الإعلام ، وخلال أيام كانت قضية المبعدين تستحوذ على مساحة كبيرة في الإعلام المحلي والإقليمي والدولي ، واحتلت الخبر الأول في كافة وسائل الإعلام لمدة لا تقل عن شهرين كاملين. في مرج الزهور كان الإبداع الفلسطيني صاحب الحضور الأول ، فمن تنظيم المبعدين أنفسهم في لجان ، إلى قيامهم بإنشاء " جامعة ابن تيمية الإسلامية " وهي عبارة عن خيمة قام بعض المبعدين الذين انقطعوا عن دراستهم بإتمامها هناك . بالإضافة للعديد من الأنشطة الخيرية العديدة التي تم عملها في القرى المجاورة وبدلاً من أن يساعد أهالي القرى المجاورة المبعدين ، قام عبدالعزيز الرنتيسي وإخوانه المبعدين بمساعدة أهالي القرى المجاورة مجانا في كثير من الأعمال والأنشطة ، منها قطف الثمار ، والإصلاح بين العائلات المتخاصمة "منها بعض العائلات التي مضى على خصوماتها أكثر من 12 عام قبل مجئ المبعدين " وتقديم المواد التموينية لبعض الأسر المحتاجة ، وقام بعض المبعدين برعي الأغنام مع الفلاحين .
وتحققت عودة عبدالعزيز الرنتيسي وإخوانه المبعدين في أيلول عام 1993م ، بعد الضغوط الدولية على إسرائيل .
عبد العزيز الرنتيسي .. والمعتقلات الصهيونية :
اعتقل عبدالعزيز الرنتيسي أكثر من مرة في معتقلات العدو الصهيوني ، ولعناده فقد يئس محققو المخابرات الصهيونية من جدوى التحقيق معه ، حيث يشهد الذين شاهدوه في السجن أنه بمجرد أن يحضر للمحققين في أقبية التحقيق حتى يبادرهم باللكمات ولا ينفك عن ذلك إلا بعد أن يغمى عليه من شدة ما يتعرض له من تعذيب ، من هنا كان يتم تقديم لوائح اتهام ضده بناء على قانون " تامير " المعمول به ضد الفلسطينيين ، ويتيح هذا القانون للمحاكم العسكرية الإسرائيلية إدانة أي فلسطيني بناء على اعترافات أي شخص آخر ضده ، في حال تعذر استخلاص أي اعتراف منه ، وفي السجن أتم الرنتيسي حفظ القران الكريم ، في غضون سبع وعشرين شهراً قضاها في زنزانه انفرادية واحدة .
الرنتيسي وقصة الإستشهاد :
في العاشر من حزيران عام 2003م تعرض الرنتيسي لمحاولة اغتيال فاشلة ، وقد نجا من المحاولة باعجوبة ، حيث استشهد اثنان من مرافقيه ، بينما أصيب نجله أحمد بجروح خطيرة ، أما المحاولة الثانية كانت في شهر أيلول عام 2003م وفشلت هذه العملية أيضا ، وارتقى عبد العزيز الرنتيسي شهيداً في محاولة الاغتيال الثالثة مساء 17/4/2004م .
عهداً أن نبقى على الطريق سائرون حتى النصر والعودة بإذن الله
وسنبقى نردد كلماتك الخالدة التي تقول : " نحن الذين تعانقـت
أيدينا في هذه الحياة الدنيا على الزناد ، وغداً ستتعانق أرواحنا
في رحاب الله إن شاء الله " .
الشباب المسلم في مسجد التوبة
الخميس أبريل 17, 2008 5:45 pm